مادة ساحرة
|
|
الرخام القمَري نوع من الجبس
الحجري الذي مادته الكيماوية سلفات الكلسيوم . يوجد في عدد من أنحاء العالم
، ولكن القمري اليمني ينفرد في تكوينه ، حيث أن طبقة عميقة منه أفقية الوضع
ترتفع تدريجياً من تحت سلسلة من الجبال المكونة من الحجر الرملي ، ثم تتفرع
هذه الطبقة الأم إلى عدة طبقات رفيعة نسبياً تتخللها طبقات أخرى سميكة من
حجر السِجَيل . |
|
قد لا تختلف طريقة استخراج
القمري كثيراً عن تلك المعروفة أيام ملوك سبأ وقصر غمدان . حيث يحفر عمال
المقطع نفقاً منحنياً زاويته 45 درجة وقد يصل طوله إلى 30م ، قاصدين طبقات
القمري الرفيعة . وعند الوصول إليها ، يستعمل العامل "غراباً" (أي منقاراً
فولاذياً صغيراً) لقطع لوح مستطيل حجمه 90سم في 60سم وسمكه يتراوح بين 1سم
و5سم . ثم يزحف العامل صاعداً من المقطع إلى الخارج وحاملاً اللوح على ظهره
. وهذا النوع من العمل تهدده المخاطر كما يتطلب من ممارسيه الخبرة –
بالإضافة إلى القوة العضلية، حيث أن وزن اللوح الواحد يصل إلى 50ك وأكثر
من ذلك .
|
|
أما عملية قطع الألواح
بالمنشار ، فهي تحتاج إلى المزيد من الخبرة والمهارة والصبر . يختار عبد
الوهاب أحد الألواح ويثبته مستقيماً في حفرة مستطيلة تم حفرها في جذع شجرة
، ثم ينشر اللوح عمودياً – هو ومساعده – مستخدمَين منشاراً يدوياً ذا
مسكتين ، حتى يستخرجا من اللوح الأصل عدداً من الألواح الرفيعة التي يتراوح
سمكها بين 0,5سم و1,5سم . عملية النِشارة هذه تحتاج إلى عين ثاقبة ويد
ماهرة ، لأن أغلبية الألواح الكبيرة مموجة الشكل ، فيجب على العاملَين
بالمنشار أن يتابعا انحناآتها بدقة . ضف إلى ذلك أن القمري نفسه ليس نوعاً
واحداً ، بل ويختلف بعضه عن بعض كثافة وجوهراً . فما يسمى بـ"الشريفة"
يعتبر أصفى أنواع القمري لوناً ، حيث يشبه في لونه السمن الصافي ، وهو مع
ذلك من أصعب وأعصى الأنواع على المناشر اليدوي . ولجميع الأسباب المذكورة
لا يحتمل أن القمري سيخضع لآلات النشارة الكهربائية . |
|
أما خصال القمري كوسيلة
إضاءة ، فلتكوينه البلّوري خاصية عجيبة تتضح عند تركيب الألواح في نوافذ
المبنى ، وذلك أنه – خلافاً للزجاج العادي – يوصّل ضوء الشمس إلى داخل
الغرفة ويوزعه توزيعاً متساوياً ، ولكنه في الوقت نفسه يمنع مرور وهيجه
المزعج . أو بعبارة أخرى ، يؤدي القمري نفس الدور الذي تقوم ه العدسات
المستقطبة المركبة في بعض الأدوات البصرية . |
|
إذا نظرنا إلى الفنون المعمارية عبر
التاريخ الإنساني وعلى المستوى العالمي، لم نجد من يستغل خصائص القمري
العملية والجمالية إلا في حالات قليلة جداً – في روما القياصرة مثلاً –
نتيجة لندرة المادة المناسبة وتكلفة سعرها وصعوبة عملها . أما في عصرنا
الحديث ، فكاد المهندس الرائد الذي صمم مبنى متحف ڤلا گ (The
Getty Villa
) في ماليبو بولاية
كاليفورنيا وأدخل فيه نوافذ قمرية ، كاد هذا المهندس أن يكون الوحيد الذي
أدرك إمكانيات هذا الحجر العجيب . |
إنّ اليمن تعتبر حقاً موطن القمري ، ذلك الحجر الشفاف الساحر . وها هو أحد أبناء
اليمن ، عبد الوهاب الصيرفي ، الذي أعاد القمري إلى ضوء النهار بعد سنوات طويلة من
الإهمال . |
|
|
|
|